Wednesday, December 12, 2007

عـــــــــذراً، يـــا جبـــــــــران


عـــــــــذراً، يـــا جبـــــــــران

مرحبا، يا جبران،
عامان يمرّان، وانتَ بعيد،
بيني وبينك مسافات من الغربة والوجع والشوق،
اشتاقك، واناديك،
اكلمك، في السرّ،
احادثك عندما اكون في الكنيسة، وعند صلاة الصبح، وساعة الرقاد، بعد يوم مرهق، ولا يسمعني احد،
احادثك يوم اكون وحدي، عندما اواجه صعوبات التزام مبادئنا، حين تحاول الواقعية قتل الحلم لأستمد منك الصلابة للصمود.
اليوم، احادثك، في العلن، امام الجميع، وليسمع صوتي الآخرون، لأنني سأفرغ بعض ما في صدري، وسأبوح لك، باسمهم جميعا – مَنْ هُمْ؟ - ببعض الخطايا، ولتكن مقبرتك، في مار متر، كرسي اعتراف، فاسمع لي:
عذراً، يا جبران،
خطيئتنا عظيمة: مرة، هم قتلوا جسدك وكسروا قلمك، ومرة نحن اللبنانيين قتلنا ذكراك ومبادئك.
المرة الاولى، على طريق المكلس، يوم كمن القاتل الغبي، في 12/12/2005، ينفذ اوامر معلميه ليفجر حقده وجنونه، وليغتال القلم والصوت والقامة الجميلة، وما كان يعلم، انه باغتيالك، يا جبران، كان يذبح اولاده دون ان يدري، ويغتال حريتهم ومستقبلهم وضياء عيونهم.
المرة الثانية، قتلناك جميعاً، يوم تخلينا عن قسمك وقسمنا، ففرقتنا الغرائز والعصبية والفئوية والمصالح الشخصية والحسابات السياسية والنكايات العمياء،
بسهولة، تخلينا عن وحدتنا وانقسمنا على انفسنا وحطمنا احلامنا والآمال، وضربنا صدقية اقوالنا، وحرقنا الوثائق والوعود، ومثلنا ساعة دور يهوذا، وساعة دور بيلاطس، وكلنا ابرياء من دم هذا الصديق...
شاركنا، جميعا، يا جبران، في تشويه القسم الذي اطلقته في ثورة الارز، وفي ساحة الشهداء، لقد وحدتنا دماؤك، مسيحيين ومسلمين، وفرقتنا انانياتنا والاحقاد، فاذا بنا بقايا وشظايا، واذا بالفجر الذي أشرق، من خلال عينيك المغمضتين، يكاد ينطفئ، ولسان حالنا يقول:
إما ان يكون لبنان على قياس كل منا، وإما ان نرفض لبنان الموحد، لبنانك، لبنان رفاقك ومن آمنوا بمبادئك، نرفضه وندمره على رؤوس الجميع.
ويا جبران،
يوم ودعنا جثمانك الطاهر، في كاتدرائية القديس جاورجيوس وقف كبيرنا غسان، مترفعا، متجاوزاً الجرح والوجع، ليقول: ادفنوا مع جبران الاحقاد والاجواء الخلافية.
وفعلنا، ولكن... جاء من يوسوس، جاء من يثير الغرائز والاحقاد، من يفتح القبور ويحرك الخنجر في الجروح، وبدلاً من ان نتحرر ونمارس حقنا في الحياة، غرقنا في التبعية، وعاد الآخرون ليقرروا عنا، ومن جديد، كثرت الاقنعة، وتحولت الكلمات الى طعنات في الخاصرة، وما التزمنا لا الوعود ولا القسم. وكأننا لم نتعلم شيئا، لم ندرك نعمة الاستقلال والحرية، حررنا الارض، او نكاد، ولكن لم نستطع تحرير ارادتنا ونفوسنا. وما نفع الارض دون البشر، وما فائدة تحرير التراب اذا بقي اهلها عبيداً، تتحكم بهم غرائزهم وأنانياتهم وانتماءاتهم الطائفية؟
اغفر لنا، يا جبران، سوء التصرف، وسوء الاحكام، وسوء التحليل والحوار والقرار.
ما كنت اظن يوماً أنني سأسقط مضرجا بالمبادئ، كما سقطت انت مضرجا بدمائك – وعفو دمائك لهذه المقارنة – ومع ذلك، اعلم، انك تصلي من اجلي، كما من اجل جميع اللبنانيين، في 14 آذار كانوا ام في 8 آذار، لعلنا نستفيق ونعود...
انتَ تعلم، يا جبران، اننا على عتبة عهد جديد، وان كل آمالنا، كما آمال اطفالنا والشباب، ان يكون عهد حرية وانتاج وسلام، فالرجل الذي قد يتسلم الشعلة، وان عارضناه – انا وانت والوالد – متمسكين بالمبدأ والدستور، فإنه يبقى، في ظلمة هذا الليل، قنديلاً يمكن ان نستضيء به، نحو وطن متجدد سيد. لكنني خائف لأننا، وان بلغنا حد الهاوية، لا نزال نتشاطر بعضنا على البعض لعلنا نتحكم ونسجل انتصارا، ولو كان هذا الانتصار على حساب لبنان.
فيا جبران، يا اخي وصديقي وزميلي، معاً مشينا طريقاً طويلاً، لم يبدأ منذ ثلاث سنوات، لكنه بدأ منذ خمس عشرة سنة، يوم وقّعنا معاً، ننادي بالحرية والاستقلال، في أزمنة الوصاية والاستبداد والفساد...
ما تراجعنا عن خطوة، ولا ارتكبنا خطأ المساومة والتهاون، وما وقّعنا، وتراجعنا عن توقيع... اما اليوم، وانت البعيد احس نفسي غريبا الى حد الوحدة، وكم اشعر بالحرقة والحسرة والشوق. لأنني ارى المسار يعود الى الانحراف، وارى الفرصة التاريخية التي حققناها بتضحياتنا العظيمة، بدمائك ودماء رفاقك من شهداء لبنان الابرار، اراها تضيع مجدداً، وما يرعبني يا جبران ان ارى قسماً كبيراً من شعبنا الحبيب الطيب منجرفاً فرحاً بالمواجهة مصفقاً لدعاتها لأنهم وعدوه بالانتصار، واي انتصار؟!!
فعذراً،
كل الكلمات تعتذر،
اغفر لهم، يا جبران، لأنهم لا يدرون ما يفعلون،
اما انا، فاسمح لي بتكرار ما رددته، يوم مصرعك، اذ قلت"
احمل علمك، يا جبران، وامش،
طوّق عنقك بذاك الشال المشغول بسهر العيون ونبض الشباب واصابع الامهات،
اشهر قلمك سيفاً،
ارفع صوتك اكثر،
لوّح بهويتك الجامعة بين الاديان والمناطق،
نادِ على الزملاء ورفاق الدرب، ثم،
ردد قسمك المدوي صدقاً ووطنية:
نقسم بالله العظيم،
مسلمين ومسيحيين،
ان نبقى موحدين، الى ابد الآبدين،
دفاعاً عن لبنان العظيم.
فيا جبران، يا رفيق النضال، يا من شاركته في الحلم بلبنان العظيم، دعني، في ختام حديثي العلني اليك، اعاهدك في يوم ذكراك على ان روح الخيبة التي تعتمر في نفوس شعبنا، لن تستطيع اغتيال حلمنا هذا، واننا، وان كبا جواد مسيرتنا الخلاصية اليوم، سنبقى ملتزمين قسمك وسنتابع النضال لكي يعود لبنان وطن الانسان والحرية والكرامة، وطناً يعيش فيه ايتامك والاجيال الطالعة مرفوعي الجبين.
سنبقى متشبثين بالحلم، سنثور في وجه مشوهيه، سنستعيد المبادرة لنردعهم ولن يخذلك شباب لبنان الذين احبوك، ولن نهدأ او نستسلم حتى نوحد لبنان ونحرر شعبه من العبودية القاتلة، لأننا بذلك، نفيك يا جبران حقك، ونقدم لك الراحة في قبرك، لأن لبنان الذي بذلت حياتك فداء عنه يكون قد قام سيداً حراً مستقلاً.
مرة اخرى سنلتقي.
ثق، ايها الامير الجميل، ايها الفارس الشهيد، انني احبك، واشتاقك. وسأبقى...
بطرس حرب

بقلم النائب بطرس حرب

المصدر : جريدة النهار

كل الإحترام للنائب بطرس حرب
وبقول ل جبران رح نبقى عالوعد
ونحترم القسم وناضل لاجل نوصل الرسالة
ونحقق الحلم

No comments: